الدية بين صلح مشروط بالملايين وخوف من التهاون بالجريمة

شهدت محافظة القطيف مؤخراً ارتفاع في مبالغ ديات القتل التي يطلبها أولياء الدم للتنازل لعتق رقبة الجناة بعد أن يتم الاتفاق معهم من قبل لجنة إصلاح ذات البين في المحكمة.
وأبدى عدد من الأهالي استيائهم من هذه الظاهرة، معتبرين تحولها إلى تجارة على حساب أفراد المجتمع - حسب رأيهم -.
وعدَّت المواطنة أمل طاهر أن هذه الظاهرة تضع المجتمع في خطر من انتشار الجريمة واستسهال معتبرة أنها ستتحول «لموضة وتجارة».
واستذكر المواطن أحمد الغانم حادثة قتل شاب من الفضول بالاحساء «القاتل مثل بالقتيل بالمقابل أهل القاتل يريدون دفع 6 مليون ريال لعتق رقبته بينما لا يعلمه الناس أن القاتل غرز السكين في العين وفي المؤخرة بعد قتله، تتوقع برأيك يعفون عنه عشان حفنة أموال القاتل يطّلع بدم بارد».
ورأى منتظر الصفار بضرورة تطبيق القصاص على الجاني ليكون رادعاً، معتبراً العفو والصفح والرحمة أمور حسنة بحد ذاتها، ولكن قبيحة عندما تكون أداة لتشجيع القتل بغير حق.
وعلق «هل لك أن تتخيل قاتل يجول في شوارع مدينتك أو قريتك بلا رادع؟ هل ستأمن على روحك ورح أسرتك؟ هل سمة العفو عن قتلة الناس وزهق أرواحهم أمر مدعاة للفخر؟».
وذكرت سلوى السنان أن الدية أصبحت وسيلة للثروة لدى بعض الناس، متسائلة عن تحديد قيمة الدم، مضيفةً أن مشاركة المجتمع للمظلوم مطلب لكن التعاطف مع مرتكب الجريمة لها قرار آخر.
ورأى الشيخ حميد آل عباس أن سحب أموال البسطاء من الناس والذين يعيشون تعقيدا في أمورهم المعيشية وبهذه المبالغ الطائلة بحجة عتق الرقاب لبعض المحكوم عليهم ليس منطقيا ولا حلا عمليا للحد من جرائم القتل.
وأضاف، لو اُنشئت بناية سكنية بأربعة ملايين ريال مثلا لحلت مشكلات العشرات من الشباب والعوائل المحتاجة.
ودعا إلى السعي في تجنب القصاص بالعفو لوجه الله، «وليس بصلح مزعوم تقدر تسويته بالملايين نجمعها من عامة الناس وفقرائهم».
ووصف المختص الاجتماعي جعفر العيد أن ارتفاع سقف الديات «بالخطأ الفظيع الذي يرتكبه البعض، وجاهلية جديدة؛ الدية الشرعية لها سقف محدد لا يتخطى قيمة مائة ناقة».
وتسائل عن سبب المبالغة في الديات، مشدداً على وضع حد لطموحات الناس المادية، محذرا من عدم الاكتراث لهذا الامر؛ وأنه يساهم في زيادة المقتولين بسب الاهمال.
وشدد الاختصاصي النفسي مصدق آل خميس على وعي المجتمع في تكافلهم مع الجاني ومساعدتهم له في جمع الدية، وتحديد نوع الجريمة إن كانت عن عمد أم خطأ، مضيفاً التكافل في دفع دية القتل العمد؛ إجرام في حق المجتمع وإساءة إلى أمن الأفراد والتهديد لأمن المجتمع وإفساد بالمجتمع.
وأردف أن القتل الخطأ فعل شيطاني مدفوع بغريزة الانتقام والغيرة والعنف والعدوان؛ وهو موقف يحاسب عليه القانون بالقصاص ولكن أعطى المشرع فرصة للدية، مضيفًا «القاتل مهما كانت دوافعه ليس له حق في ارتكاب هذه الجريمة وعليه يعاقب القانون بالمثل كحق للولي».
وفسَّر ارتفاع سقف الدية إلى عمل خيري يرغب به ولي الدم أو تعجيزي وهو نابع من الصدمة لفقد عزيزهم أو استشفاء غليل من أهل القاتل.
ولفت آل خميس أن إحساس أهل القاتل بهذا التعجيز مدعاة للتفكير والوعي والإنضباط في المجتمع لأنه يدرك أن المجتمع وقف بجانبه وولي الدم مدان بتنازله.
واعتبر ارتفاع سقف الديات بأنه عقاب لأسرة القاتل وانكسار وفيها إذلال ليكونوا عبرة للآخرين، مضيفا أن المجتمع يعتبر الدية كفارة تجبر الصدمة لكلا الأسرتين القاتل والمقتول وإعادة التوازن.
وقال: «ننظر إلى جريمة القتل على أنها لا إنسانية بشعة وهي فعل لا يتقبله إنسان طبيعي، ولها أبعاد اجتماعية على الأمن والسلم الأهلي والقتل المتعمد شنيع وإرهاب للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق».
واعتبر الاختصاصي النفسي أحمد العازمي أن المبالغة في الدية مقابل الاعفاء من القصاص أمر دخيل على مجتمعنا وعلى عاداتنا وتقاليدنا واقامة المخيمات او التجمعات لغرض جمع الدية للقاتل من أفراد قبيلة يزيد الأمر سوءاً.
وأضاف أنها «تخدش الصور الإيجابية التي تعكس أصالة شعب المملكة أمام الآخرين بأشياء بعيدة تماماً عن الدين والتقاليد، فضلاً عن أنها إرهاق لكاهل أسر الجاني وأقاربه وجماعته إلى حد يصل في بعض الأحيان إلى التعجيز والمطالبة بما لا يمكن تحقيقه فالعفو لم يكن يوماً من الأيام من أجل دنيا أو مظاهر زائلة وإنما هي شيمة وقيمة لا تقدر بثمن فما عند الله خير وأبقى».
وأعرب عن خوفه من تحول جريمة القتل سهلة لدى الجاني الذي لا يدفع الدية من ماله ويستمر تفكير الجناة بأن قبيلتهم أو جماعتهم ستتكفل بجمع المال لإنقاذه.
وبدوره ذكر أمين لجنة إصلاح ذات البين في القطيف علي المهاشير أن مجتمع القطيف مسالم نشأ وترعرع على التقاليد العربية الأصيلة المنبثقة من تعاليم عقيدتنا الإسلامية الغراء حيث يتميز هذا المجتمع بالرحمة والعطف والتكافل الاجتماعي وحب العفو والتسامح ولاشك انه سمة في أهالي القطيف.
وأوضح أن لجنة اصلاح ذات البين في محافظة القطيف تنظر في القضايا المسندة اليها وامكانية ان يعود الجاني فردا نافعا في المجتمع.
وأضاف أن لجنة إصلاح ذات البين ممثلة برئيسها الشيخ بدر الجامع - رئيس المحكمة الجزائية - تسعى للإصلاح بين الناس، إنفاذا لتوجيهات أمير الشرقية الأمير سعود بن نايف.