آخر تحديث: 19 / 6 / 2025م - 6:45 م

ظاهرة شاذة

محمد العلي * مجلة اليمامة

أن تفلت ظاهرة ما من الالتفات إليها في المجتمع، أو تفسر بغير سببها، فذلك ما نشاهده كثيرا في التاريخ. أما أن تفلت من تأثير التاريخ نفسه، فهذا ما لا يخطر في مخيلة، مهما شطحت. كل كتابة تنطلق من واقع شاخص، أو من واقع متخيل عن ذلك الواقع ماعدا هذه الظاهرة، وهي أن يتحوّل الواقع إلى أنقاض، ويندلع واقع آخر اندلاعا بركانيا، ثم لا ترى له أثرا في تغيير مساق الكتابة عند جميع كتاب الزوايا، فهذا ما لم يكن متخيلا. وهذه هي الظاهرة الشاذة التي أعنيها.

أبو العلاء لم يُعرف في زمنه، بل وصف بأنه «كلب عوى بمعرة النعمان» وابن خلدون غطت ضعة نفسه على إنتاجه المبالغ فيه، كما يرى ذلك طه حسين. وظاهرة أبي العلاء وابن خلدون لهما أمثلة كثيرة في التاريخ؛ لأن رؤيتهما لواقعهما كانت من العمق بحيث لم يدركه من حولهما. ومن يقرأ ما جرى لابن رشد يقتنع بمثل هذه الظاهرة، وتكرارها في كل زمان. هذا في ثقافتنا، وقد حدث في الثقافات الأخرى ما هو أكثر بشاعة. ماأما

تلك أمثلة جرت في أزمنة كانت الأمية والجهل تغطيان كل المجتمعات، أما أن تكون هذه الظاهرة في زمن الأنوار كما يقال وفي زمن حقق العلم فتوحاته التي كانت في عداد المستحيل، واتسعت المعرفة، ونضج الوعي إلا قليلا، فهذا أمر يحتاج فهمه إلى أشعة شمس أخرى.

سأستعيد لحظة عنترة حين قال»: هل غادر الشعراء من متردم» هذه كانت لحظة إبداعية، وكان من المنتظر أن يقول شيئا آخر غير «أم هل عرفت الدار بعد توهم» ولكن سياق المرحلة قد فرض نفسه عليه، فعاد إلى سربه. وها أنا أتخذ نفس الموقف، وأعود إلى سرب كتاب الزوايا، وكأن شيئا لم يكن، فلا زلازل ولا انهيارات ولا أنقاض و«جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس»

حين يضيق الخناق عليّ ألجأ إلى الشعر، مهما كان مستوى ذلك الشعر، هل هو من الإبداع والجمال بحيث يعلق على صدور الحسان، أم كان رمّة بالية، وها أنا أفتح ديوانا فتفاجئني قصيدة ساحرة بعنوان «حب في الظلام»

أحبك؟

عيني تقول أحبك / ورنة صوتي تقول / وصمتي الطويل/ وأنت إلى الآن لا تعلمين/ أحبك حين أزف ابتسامي / كعابر درب لأول مرة / وحين تقولين لي إرو شعرا / فأرويه لا أتلفت خوف لقاء العيون..

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
سعيد
19 / 6 / 2025م - 3:03 م
أعتقد أن التاريخ يثبت أن التغيير ممكن، بس يحتاج جهد ووعي من المجتمع. الظواهر تتغير مع الزمن، وما نوقف عندها
كاتب وأديب