بين القوة والضعف.. من يجذب من؟
في عالم العلاقات الإنسانية والتأثير المتبادل، يمكن تصنيف الناس إلى نمطين أساسيين: قوي وضعيف، من حيث البنية الفكرية، والعلمية، وتكوين الشخصية.
الشخص القوي لا يكتفي بقوته الذاتية، بل يتمتع بجاذبية تُمكّنه من استحضار كل ما هو قوي من حوله، سواء في الأشخاص أو الفرص أو المواقف. فحين يجتمع القوي بأمثاله، تتشكّل منظومة أكثر اتساعًا وعمقًا، وتتحول القوة الفردية إلى قوة مركّبة ذات تأثير مضاعف.
القوي، في جوهره، أشبه بالطاقة الكهربائية: يغذي، يضخ، ويتحمّل الأحمال المتصلة به دون أن يتداعى أو يتراجع. لديه فائض من القدرة الذهنية والنفسية يُمكّنه من مواجهة التحديات، وتحمل الصدمات، بل وتحويلها إلى فرص للتماسك والنضج. من يمتلك مثل هذه الطاقة، يصبح أكثر قدرة على احتواء المواقف الصعبة، لأن حجم التعديات والمشكلات التي تعترضه يظل أصغر من حجم طاقته الداخلية.
أما الضعيف، فهو على النقيض من ذلك؛ لا يستطيع أن يستجلب القوة من الخارج، لأن شخصيته غير مؤهلة لجذب الأقوياء. الضعف يجذب مثيله، ويكوّن بيئة من التردد، والتراخي، والخوف من التغيير. فيُحاصر الضعيف بأفكار هشة، وقرارات مترددة، وأشخاص لا يدفعونه إلى الأمام بل يثبتونه حيث هو.
الضعيف أيضًا، حين يتعرض لأبسط ضغوط الحياة، يهتزّ ويضخ خوفه وارتباكه في كل ما يحيط به، فتتضخم المواقف في عينيه وتفقده اتزانه. ولهذا لا ينتج إلا تفكيرًا مضطربًا وقرارات هشة يصعب أن تنضج أو تُثمر.
لكن، هل هذا قدر لا فكاك منه؟ ليس بالضرورة.
الضعيف الذي يعي ضعفه، ويملك الرغبة في التحول، يمكنه أن يبدأ خطواته نحو القوة. ذلك لا يكون إلا بمرافقة من هم أقوى منه علمًا وفكرًا وتجربة. عليه أن يتتلمذ، أن ينصت، أن يقلّد في البداية، لا من باب التبعية، بل من باب التعلّم واكتساب المهارة، حتى تتشكّل له شخصية جديدة، قادرة على أن تُستنسخ منها القوة، وتُعاد بها هيبة الذات.
فالقوة لا تولد من فراغ، بل تُصنع بالاقتراب من مصادرها. والشخص الذي يريد أن يكون قويًا، لا بد له من أن يكون شجاعًا بما يكفي ليرافق من يفوقه، لا لينافسه، بل ليتعلم كيف يصبح ندًّا له، ثم شريكًا في صناعة الأثر.