آخر تحديث: 4 / 5 / 2025م - 12:41 م

حين يصبح التواضع حاجزًا للتقدير

عيسى العيد *

يُكثر الناس الحديث عن الشخص إذا مات، خاصة إن كانت له مميزات بارزة في مجتمعه؛ فتظهر محاسنه وتُسطّر مناقبه، وكأن قدره أن لا يسمع الإطراء ولا يرى التقدير في حياته.

فرغم أن الجميع يعايشه ويلمس خصاله، إلا أنهم يترددون في الحديث عنها، إما خوفًا من اتهامهم بالتملق، أو خشية أن يُصاب الممدوح بالغرور، أو اعتقادًا بأنه لا يستحق المدح والإشادة في حياته.

مع أن ذكر مآثر الآخرين في حياتهم يمنحهم دافعًا لمزيد من العطاء، ويُشجع غيرهم على تقليد الصفات النبيلة التي يحملونها.

وفي المقابل، حين يسعى أحد إلى توثيق أو كتابة شيء من مآثر الآخرين، يُواجه معوقين رئيسيين:

• الأول، التواضع السلبي لدى المتميز نفسه، إذ لا يقبل أن يُكتب عنه، بل ينزعج من ذلك، وكأن المديح إهانة، ويرى أنه لا يستحق ما قيل عنه. مع أن الامتنان والتقدير حق للناس لا يملكه وحده؛ هذا التواضع نتيجة الثقافة السائدة في المجتمع، ولو كان الوضع مختلفًا لقبل الأمر بشكل طبيعي.

• المعوق الثاني، الغيرة المجتمعية، خاصة من بعض المقرّبين، الذين يرون أن مدح الآخرين لا يليق في حياتهم، بل حتى بعد وفاتهم. وهذا في حقيقته مرض نفسي خفي يُبتلى به كثيرون دون وعي منهم.

إن تكريم الإخوة وذكر مآثرهم في حياتهم هو من باب الوفاء، ومن صور الارتقاء الاجتماعي، فالمجتمع الذي يرفع من شأن أفراده ورموزه مجتمع واعٍ ويستحق الاحترام.

وفي هذا السياق، نجد أن القرآن الكريم نهى عن بخس الناس حقوقهم، ليس فقط في المال، بل في كل ما يستحقونه من فضل ومكانة، قال تعالى:

﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ [الأعراف: آية 85].

والبخس هنا يشمل بخس التقدير والاحترام.

وقد أثنى الله تعالى في القرآن على أنبيائه وأوليائه وهم أحياء، فقال عن إسماعيل :

﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم: آية 54].

وهذا النهج الرباني يُرسّخ سنة الثناء في الحياة، لا بعد الموت فقط.

وإذا كان في ذكر الصفات النبيلة للأشخاص رفعة للفرد والمجتمع، فلماذا نتردد في ذلك؟

في الحقيقة، هناك أسباب واضحة لهذا التردد، من أبرزها:

1. ثقافة الموت المسيطرة:

حيث يتفاعل الناس مع الأموات أكثر من الأحياء، متأثرين بعناوين دينية واجتماعية ترسّخ هذا الاتجاه، رغم وجود نصوص كثيرة تدعو للاعتراف بالفضل في الحياة، وللاستمتاع به وأخذ العبرة منه.

2. غياب الاستعداد للتغيير:

فالمجتمع لم يُدرّب نفسه على ثقافة التقدير في الحياة، ويظن أن المدح في حضرة صاحبه نوع من النفاق، أو ضعف في الشخصية، مع أن ذلك غير صحيح؛ فهناك فرق كبير بين التقدير النبيل والتملق المجامل.

ما أودّ الخلوص إليه هو أن على المجتمع أن لا يتردد في تكريم رموزه في حياتهم، والحديث عنهم والكتابة عنهم، ليأنسوا بما يُقال عنهم، ويشجّعوا الآخرين على الاقتداء بهم، مما يثمر مجتمعًا واعيًا، غنيًا بالكفاءات المخلصة والواعدة.