صلاة قليلة الدسم
عندما تنعقد الصلاة بإمامته، كنتُ والآخرون نشعر بأنها صلاة لطيفة، وخفيفة، وجميلة، ومنعشة، وهادئة، وجاذبة، وسامية بنا إلى الله. وتناسب جميع الأعمار، وتراعي حتى مرضى السكري والمفاصل، وصوم الصائمين… فأطلقتُ عليها من الوهلة الأولى ”صلاة قليلة الدسم“.
فسلاسةٌ في الأذكار، وفصاحةٌ في تلاوة القرآن، وعذوبةٌ في الصوت، واحتضانٌ للشباب، وكسرٌ للرتابة، وخذلانٌ للشيطان، وحضورٌ وإمعانٌ للقلب… وصارحتُ إمام جماعة ذلك المسجد بذلك الشعور، وأثنيتُ عليه، ودعوتُ له بالنجاح والنمو والتوفيق. تِباعًا، وبفتراتٍ زمنية متقطعة، شاركني عددٌ غير قليل من المصلين نفس الشعور… ولاحظنا يومًا بعد يوم تزايدًا في عدد المصلين، خصوصًا ليلة الجمعة ويومها.
ولمسنا في فترة وجيزة أدبًا جمًّا، وفكرًا واضحًا، وسعيًا للإرشاد، واستنطاقًا للحكمة، وعبادةً على بصيرة… من ذلك الشيخ الوقور. وعندما بلغني أنه سيغادر إمامة المسجد ليتفرغ للدروس والتحصيل وأمور أخرى، صُعقت، وعاهدتُ نفسي أن أحاوره، لعلّي أنجح في طرح مقترحات معيّنة، وأثنيه عن قراره بترك إمامة الجماعة.
ذهبتُ إليه وشرحتُ له أن طموحنا كَبُر بوجوده، وشغفنا المعرفي تدفّق بأطروحاته، وأرواح الشباب عرجت نحو ربّها بشكلٍ أكبر من ذي قبل، وأنّ آمالنا به كبيرة، وعوّلنا على استمطار كل سُحُب أفكاره… حاولتُ أن أُثنيه، وطرحتُ عليه عدة اقتراحات، منها أن يجمع بين الحفاظ على إمامة الجماعة في المسجد والالتزام بالدروس.
فاعتذر، وبكل حزمٍ ولباقة… فعزمتُ أن أخطَّ بقلمي هذه الأسطر، علّها تُقرأ، ويُحتذى بنموذج ذلك الشيخ في استنساخ تجربته الناجحة عبر أداء صلاة ”قليلة الدسم“.
عندما يكون لك منهج واضح، وأفكار ناضجة، وخطاب بليغ، وبرنامج مميّز لإحداث أثرٍ جميل، وتفعيل مشاركة من حولك، سواء في المدارس أو المساجد أو الأندية الثقافية/الرياضية، فساهم في ذلك ولو بكلمة، أو إعداد برنامج، أو تبنّي مبادرة، أو إطلاق مقترح… فاحرص على ألّا ترحل إلا وقد تركتَ أثرًا، فإن الإنسان أثر.
فقد قال بعضهم: What if - ماذا لو…؟ خشيةً من الفوات.
وقال أهل العزم وبعض الحكماء: Even if - حتى وإن حدث…، لإظهار اليقين والتمسك بالقيم.
تشيخ الأماكن والدور والمدن إن لم يتم تجديد دمائها، وبرامجها، وإدارييها، وصيانتها، ووضع الخطط الكفيلة ببثّ الحياة فيها.
تأهيل الأفضل، وإتاحة الفرصة للأغلب من أبناء المجتمع داخل أروقة دور العبادة والرياضة والثقافة وغيرها، يُجذّر روح الانتماء والعطاء، ويتفادى روح السيطرة المتعالية غير المحببة للنفس.