آخر تحديث: 19 / 6 / 2025م - 4:46 م

لنبكي الإمام الحسين (ع)

عبد الرزاق الكوي

بعد أيام قليلة يحل شهر الأحزان شهر محرم الحرام وإحياء شعائر أهل البيت بشكل عام وشعائر أيام عاشوراء الإمام الحسين بشكل خاص التي هي من معاني الولاء وعربون محبة وتقديم مواساة في مظلومياتهم وكذلك التزام طريقهم المستقيم الذي هو كمال الدين.

حث الرسول ﷺ والمعصومون شيعتهم والعالم على إقامة هذه الشعائر، وبينوا عظمة هذا العمل المبارك والبكاء ولبس السواد والنياحة واللطم وصولا للجزع على مصاب الإمام الحسين لتخليد هذه الذكرى في قلوب العالم ولماذا كانت هذه النهضة وما حدث فيها.

إن أول من أحيا هذه الشعيرة الحزينة هو الرسول ﷺ، فقد بكاه يوم مولده عندما أخبر بما ينتظر هذا الوليد المبارك من أمّته، وسار على هذا الخطى أهل البيت وام المصيبة العظمى هي فاطمة الزهراء بكته بعدما سمعت قول أبيها ﷺ، فكيف لو شاهدته على أرض كربلاء ممزق الجسد قطيع الرأس، وتدوس صدره خيول الأعوجية.

لا عذر للشيعي يرقأ دمعه
ودم الحسين بكربلأ اريقا

يا يوم عاشوراء لقد خلفتني
ما عشت في بحر الهموم غريقا

فيك استبيح حريم آل محمد
وتمزقت أسبابهم تمزيقا

قبل أيام من دخول شهر محرم الحرام على الموالي استشعار الحزن استعدادًا لتكون أيام وليالي عاشوراء مفعمة بالحزن وعيش أجواء هذه الأيام بما تستحق، ترق فيه القلوب، فالمساجد والحسينيات وحتى المجالس الخاصة على قدم وساق استعدادا لاستقبال المعزين وتقديم واجب العزاء في هذّه الفاجعة الأليمة، تكتسي الجدران بثوب السواد، وتتلبد القلوب بالحزن والمرارة، وتتقد حرارة المصيبة في الصدور، ما حدث في يوم العاشر من محرم الحرام أمر عظيم والحضور والاستعداد بدرجة عظمة المصاب وهي من معالم التشيع الصادق والولاء البين، هذه أيام فوز ونجاة ولقاء مرتقب إنه الوعد الصادق.

هل عاشوراء فقم جدد به الحزن
مأتم الحزن ودع شربا وأكلا

كيف ما تلبس ثوب الحزن
في مأتم أحزن أملاكا ورسلا

كيف ما تحزن في شهر به
أصبحت فاطمة الزهراء ثكلا

كما بكى النبي صلى عليه وآله الإمام الحسين بكته جميع الأنبياء كلا أقام له مجلس عزاء، وعلى أرض كربلاء أقيم له العزاء من قبل الإمام السجاد والعقيلة السيدة زينب ، بكى السجاد في يوم عاشوراء حيث وصل به عظمة المصاب أن قالت له عمته العقيلة زينب «مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وألبي وإخوتي» وبكى ما تبقى من حياته الشريفة بما اختزنه من مشاهد مهولة رآها على أرض كربلاء في اليوم العاشر من محرم الحرام.

كذلك بكت العقيلة زينب وهي تسمع نداء الحسين ألا من ناصر ينصرنا وحيدا لا ناصر له ولا معين ينعى نفسه الشريفة، وعند استشهاده لطمت وجهها وشقت جيبها وخرت مغشية عليها من هول ما اقترفه الأعداء من فعل إجرامي همجي، استمر إحياء هذه الشعائر والبكاء من قبل سائر الأئمة واتباعهم وصولا لصاحب العصر والزمان

ورد عن قائم آل محمّد «عجّل الله تعالى فرجه» قال: «فلئن أخّرتني الدهور، وعاقني عن نصركَ المقدورُ، ولم أكنْ لِمَنْ حاربك محارباً، وِلمنْ نصَبَ لك العداوة مناصباً، فلأندُبَنَّك صباحاً ومساءً، ولأبكينَّ عليك بدلَ الدموع دماً، حسرةً عليك وتأسُّفاً على ما دهاك وتلهفاً، حتى أموت بلوعة المصابِ وغُصّةِ الاكتئابِ».

«ولأبكينَّ عليك بدلَ الدموعِ دماً» مجاز أو كناية عن شدّة البكاء واستمرار الحزن ودوام اللوعة، فالقائم لا يريد إلاّ القول بأنّه سيبكي على الحسين بكاءً لا يبكيه على أحدٍ من البشر سواه، فإذا كان بكاء كل من سبق ذكرهم من أنبياء وأئمة وهم قدوة البشرية، بكل تأكيد السير على خطاهم طوق النجاة وتحقيق للتطلعات وتكامل للمسيرة الظافرة لنهضة سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين ، اليوم البكاء يوضح عمق الانتماء بشكل لا لبس فيه في الحفاظ على رمز مقدس انتهكت قدسيته قال الرسول ﷺ «حسين مني وأنا من حسين»، هذا البكاء إيصال رسالة الإمام الحسين للعالم.

تبكيك عيني لا لأجل مثوبة
لكنما عيني لأجلك باكية

في هذه الأيام الحزينة من عمر الإنسانية تذرف الدموع أنهراً وصوتا مجللا مشحون بالألم والحسرة والمشاعر الجياشة في سبط النبي ﷺ، أنه ألم الرسول وأهل بيته عليهم جميعا أزكى وأعطر السلام، بكاء فيه تأمل ما وقع على أرض كربلاء ويوم عاشوراء صهيل الخيول وقعقعة السيف وآهات بنات الرسالة وعطش الأطفال وحجر أبو الحتوف والسهم المثلث والأجساد الممزقة والرؤوس القطيعة وخيول الاعوجية والطفل الرضيع الذي ذبح من الوريد للوريد، وسبي بنات رسول الله ﷺ من بلد إلى بلد، أن يستجلب الدمعة ويعاش الحزن ويلبس السواد وتلطم الخدود وتجزع القلوب، أنه الحدث الأعظم على مر تاريخ البشرية لا يتحمله صاحب قلب إلا بكى من هول ما حدث.

فالحضور القلبي له درجات من يبكي ومن ينتحب، ومن يلطم وصولا للجزع والموالي يستشعر ما حدث في يوم عاشوراء، من لم يستطع أن يبكي في هذه الأيام الحزينة فاليتباكى حتى يمن الله عليه برقة القلب، ويتفضل عليه بهذه النعمة المباركة والدخول في البكاء، ليستشعر عظمة هذه الحالة، وهذا ليس من الرياء والتصنع بل رغبة صادقة وحسرة في القلب يتمناها الموالي أن تخرج ويصبح في صفوف من بكى على الإمام الحسين ، أنه استدعاء للحزن، وهذا ما قاله الرسول ﷺ «من لم يستطع البكاء فعليه بالتباكي وله الأجر والثواب على سعيه لذلك»، والتباكي من المستحبات بشكل عام في تلاوة القرآن الكريم وسماع وقراءة الأدعية المباركة وكثير من المواقف المؤثرة في الحياة المعاشية، فالتباكي ما هو إلا اجتهاد محمود وعمل فاضل له ثوابه وأجره عند الله سبحانه وتعالى.

سوف تستمر شعيرة البكاء لتبقى الحرارة في قلوب الموالين والعاشقين لا يوم كيوم الإمام الحسين ، ستبقى في القلوب كل يوم عاشوراء، سيبقى مع كل شربة ماء وكل تسبيحة ودعاء أنها من تجليات العبادة وقوة الإيمان ورأس التوحيد وأصل التقوى والعروة الوثقى، أنها التعالي عن متع الدنيا ودخول في حالة من التجلي برفقة الإمام الحسين ، الذي خصه الله تعالى بخصائص لم يشاركه فيها أحد من قبله أو من بعده، للدور الاستثنائي والبطولي حيث ضحى بنفسه الزكية وأهل بيته وخيرة أهل الأرض من أنصاره الذين شرفهم الله تعالى بهذه الكرامة في الدنيا والآخرة.