آخر تحديث: 19 / 6 / 2025م - 4:41 م

توطين إدارة المنزل.. خيار ذكي في مسار التمكين

دكتورة لمياء عبدالمحسن البراهيم * صحيفة اليوم

في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة بات من الضروري إعادة النظر في نماذج الخدمة المنزلية السائدة. لم يعد الاعتماد الكامل على العمالة المقيمة خيارًا مستدامًا، خصوصًا مع تصاعد التكاليف، وتفاوت الكفاءات.

شهدنا تحولًا عميقًا في تركيبة الأسرة السعودية. فالطفرة الاقتصادية وتوفر العمالة المنزلية في المنازل نشأ عنه أجيال لم تتعود على العمل المنزلي وتوزيع الأدوار والمسؤوليات وبالتالي الاتكالية. ومع تمكين المرأة وتعاظم مشاركتها في سوق العمل، نشأت الحاجة إلى خدمات منزلية تدعم استقرار الحياة اليومية. لكن هذه الحاجة لم تُقابل دائمًا بحلول تنظيمية مرنة، بل غالبًا ما تم اللجوء إلى خيار «العاملة المقيمة»، كحل افتراضي واحد، دون مراعاة الفروقات بين الاحتياج الفعلي والكفاءة المطلوبة.

من ناحية أخرى، أسهم الاستعراض المبالغ فيه في وسائل التواصل - أحيانًا بعدد العاملات أو مشاهد البذخ المفرط - في تطبيع نمط غير صحي من الاستهلاك، وهذا المشهد لا يضر فقط بثقافة العمل، بل يُربك السوق ويضع ضغطًا غير عادل على الأسر المتوسطة التي لا تملك نفس القدرة على الاستقدام.

الحقيقة أن اشكالية العمالة المنزلية مرتبطة بتشتت التنظيم، وغياب التصنيف المهني، وضعف الرقابة على الكفاءة. الكثير من العاملات يصلن دون تدريب أو تأهيل، وتتحمل الأسرة كامل عبء التجربة، إداريًا ونفسيًا وماليًا.

ولعلنا في هذه المرحلة بحاجة إلى نموذج جديد من التفكير، ينقل الخدمة المنزلية من مفهوم الخدمة والمبيت إلى مفهوم الإشراف والإدارة.

فهناك نوع من الخدمات يمكن أن تقدمه سعوديات مؤهلات، دون الحاجة للإقامة أو العمل التقليدي. على سبيل المثال:

مديرة منزل، تتابع شؤون النظافة، وتُشرف على طهي الوجبات، وتراقب أداء العاملات المقيمات، وتضبط الوقت والكفاءة، دون أن تبيت أو تتخلى عن حياتها الشخصية.

إن هذا النموذج يفتح بابًا حقيقيًا لتمكين فئة من النساء السعوديات اللاتي يمتلكن مهارات عالية في التنظيم والطهي والرعاية، ويحتجن مصدر دخل كريم، دون أن يُطلب منهن الخروج لمكاتب أو تحمل أنماط عمل لا تناسب ظروفهن.

بل إن بعضهن يعملن فعلًا في مجالات مثل الطبخ المنزلي، أو تنظيم الحفلات، أو التنظيف الموسمي لكن دون حماية نظامية، أو مسمى وظيفي واضح، أو فرص تطوير مهني.

لذلك، فإن توطين «إدارة المنازل» كمسار مهني جديد، لا يعني إلغاء العمالة الأجنبية، بل يعني إعادة توزيع الأدوار وتنظيم السوق على أسس أكثر عدالة واستدامة.

يمكن تصنيف العمل المنزلي إلى خدمات متعددة «تنظيف، طبخ، تنظيم، رعاية، إشراف»، ويُتاح لكل أسرة اختيار ما يناسب احتياجها، ولكل عاملة أو مديرة منزل اختيار ما يتناسب مع مهاراتها. بهذا نحقق معادلة ثلاثية:

• جودة أفضل في الخدمة
• دعم اقتصادي للمواطنات
• تقنين واقعي للعمالة الأجنبية

وفي النهاية، لسنا بصدد حرب على العمالة، بل بصدد إعادة تنظيمها بما يخدم الجميع.

فكل بيت يستحق خدمة منظمة تحفظ خصوصيته، وكل عاملة أجنبية تستحق أن تُعامل بعدل وكرامة، وكل امرأة سعودية تملك المهارة وتحتاج مصدر دخل، تستحق أن تُفتح لها أبواب التمكين.

استشارية طب أسرة
مستشار الجودة وسلامة المرضى
مستشار التخطيط والتميز المؤسسي
كاتبة رأي