آخر تحديث: 19 / 6 / 2025م - 6:45 م

من التسويف إلى التحوّل

رضي منصور العسيف *

دخل أحمد إلى عيادة التغذية بخطوات مترددة، وكأنه يجرّ خلفه سنوات من الوعود المؤجلة. ابتسم له الأخصائي وأشار إلى الميزان قائلاً:

- ”تفضل، لنبدأ بالميزان.“

وقف أحمد وهو يتنفس بقلق، وراح يتأمل الأرقام تتصاعد على الشاشة... لحظة صمت تبعتها نظرة خفيفة من الأخصائي:

- ”لقد زاد وزنك كيلوَين بدل أن تخسر أربعة، كما كنا نطمح.“

خفض أحمد عينيه وقال بصوت خافت:

- ”أعدك هذه المرة... سأبدأ غدًا.“

رفع الأخصائي نظره إليه وقال بنبرة حازمة لكنها مشفقة:

- ”أحمد، متى سينتهي هذا الغد؟ كم مرة وعدت نفسك أن تبدأ ولم تفعل؟“

جلس أحمد على الكرسي، وعينيه تحملان مزيجًا من الخجل والتعب، كأنما بات يعرف أن المشكلة لم تكن يومًا في نوع الطعام، بل في عزيمته التي تؤجل كل شيء.

استمع الأخصائي له بصمت، بينما كان يراقب كلماته أكثر من وزنه. ثم قال له بهدوء:

- ”مشكلتك يا أحمد ليست في الشهية... بل في التسويف. أنت لا ترفض الحمية، لكنك ترفض البداية. تنتظر الغد ليحلّ كل شيء، ولكن الغد لا يصنع المعجزات، الآن هو الوقت الوحيد الذي تملكه.“

صمت أحمد قليلاً، ثم همس:

- ”ولكن... أنا خائف من أن أفشل مجددًا.“

ابتسم الأخصائي وقال:

- "الفشل الحقيقي أن لا تبدأ. كل خطوة تؤجلها تجعل العودة أصعب، وكل تأخير يضيف جدارًا آخر بينك وبين حلمك.

النجاح في الحمية، كما في الحياة، يبدأ من لحظة القرار، لا من لحظة الانتظار."

كانت كلماته كضوء اخترق الغشاوة على قلب أحمد. لقد سمع هذه النصائح من قبل، لكن في هذه اللحظة، بدت أكثر صدقًا، لأن الألم قد نضج داخله، وصار أكثر استعدادًا للتغيير.

قال الأخصائي بنبرة حاسمة:

- ”كل من ينتظر الوقت المناسب لتحقيق أحلامه، لن يتحرك أبدًا. لأن الآن، وليس غدًا، هو الوقت المثالي. دع اليوم يكون هو بداية رحلتك الجديدة.“

نظر أحمد إلى نفسه، لا في المرآة، بل في داخله، ورأى رجلاً أنهكه التأجيل، لكنه ما زال قادرًا على النهوض.

- ”لن أؤجل بعد الآن... سأبدأ الآن“، قالها هذه المرة وهو ينهض واقفًا، لا من الكرسي، بل من حالة السكون الطويلة التي كبّلته.

وهكذا، بدأت رحلة أحمد، لا بالحِمية فقط، بل بتحرير نفسه من قيد النفس... خطوة بخطوة، ومع كل يوم، كان يشعر بأنه لا يخسر وزنًا فقط، بل يتخلص من العجز والانتظار.

دروس ملهمة:

1. لا تنتظر الغد

التغيير لا يحتاج إلى موعد مثالي، بل إلى قرار. وكلما أسرعت في اتخاذه، اقتربت من ذاتك الحقيقية.

2. التسويف أكبر عائق أمام الحلم

كل عذر تتبناه هو باب مغلق في وجه التقدم، فلا تجعل الخوف من الفشل يمنعك من المحاولة.

3. ابدأ صغيرًا، لكن ابدأ

لا تستهِن بخطوة واحدة، فهي البداية لكل طريق، وهي الفارق بين أن تظل في مكانك أو تبدأ رحلتك.

4. القرار أول النجاح

لا توجد وصفة سحرية، بل قرار داخلي يغيّر قواعد اللعبة. لا تنتظر من أحد أن يوقظك... كن أنت من يوقظ نفسه.

5. الآن هو الوقت الحقيقي

الماضي ذهب، والمستقبل لم يأتِ بعد... بينهما توجد هدية اسمها ”الآن“. فلا تُفوّتها.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
فاطمة
[ القديح ]: 18 / 6 / 2025م - 6:50 م
فعلاً التسويف هو أكبر عدو لنا
2
حسن
[ صفوى ]: 18 / 6 / 2025م - 9:04 م
مقال جميل، لكن أعتقد أن موضوع التسويف أحياناً يكون مرتبط بظروف نفسية أو اجتماعية، مو بس عجز في العزيمة. لو تكلمت شوي عن كيف نواجه هالظروف، كان أضاف قيمة أكبر للمقال.
3
عبدالله
18 / 6 / 2025م - 11:12 م
أحببت الفكرة الأساسية للمقال، لكن أعتقد أن التركيز على أن القرار هو بداية النجاح قد يكون مبسط شوي، لأن أحياناً يكون في عوامل خارجية تؤثر على قدرة الشخص على البدء، مثل الظروف الاقتصادية أو الصحية. مع ذلك، المقال مهم ويحفز على التفكير.
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف