آخر تحديث: 19 / 6 / 2025م - 11:32 م

تهديد حقيقي للأمن والسلم في العالم

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

بشكل مفاجئ، وقبيل اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع مسؤولين من هيئة الطاقة النووية الإيرانية، في يوم الأحد من هذا الأسبوع، للتأكد أن مستوى تخصيب اليورانيوم، لم يتعدَّ النسبة المطلوبة للاستخدام السلمي للطاقة النووية، أقدمت إسرائيل على شنّ هجوم كبير، على إيران. وقد أدى هذا الهجوم، إلى مصرع عدد كبير من المسؤولين الإيرانيين. ولم يقتصر الهجوم على المؤسسات النووية، بل تعداه ليصل المسؤولين عن المصانع الصاروخية، ومقارّ الأمن ووزارة الدفاع. وبهذا الهجوم، دخلت المنطقة والعالم بأسره، مرحلة جديدة، من عدم الاستقرار.

بالتأكيد، لم يكن لهذا الهجوم، أن يأخذ مكانه، لولا دعم إدارة الرئيس ترامب، التي قدمت ما هو أكثر من المساندة اللوجستية، إلى مستوى الشراكة الفعلية بالهجوم، وفقاً لاعترافات مسؤولين أمريكيين، وتأكيد الرئيس الأمريكي نفسه، بأنه أعطى الضوء الأخضر لنتنياهو لشنّ هجومه على إيران.

دفع الغرور وغطرسة القوة، وما حسبه انتصارات حققها على قطاع غزة، حيث باتت جرائمه فيها، وصمة عار على جبين البشرية جمعاء، وأيضاً ما تحقق على الجبهة اللبنانية، إلى تصور أن الهجوم على إيران، هو نزهة قصيرة، ينتهي بعد تنفيذها أي وجود عسكري حقيقي لطهران، ولم يدُر بخلَدِه أن الأمور تقاس بخواتيمها.

ضمن النظريات السياسية لأسباب اندلاع الحروب، نظرية تقول إن الحكومات التي تواجه مصاعب اقتصادية، أو مشاكل داخلية، تلجأ للحرب، لكي تحشد طاقة الأمة مجتمعة خلفها. وربما تصور نتنياهو أن شنّ الحرب على إيران، ستساعده، على تأجيل محاكمته ومحاسبته، في تهم عديدة، ليس أقلها اتهامه بالفساد، وبالتقصير، أمام الهجمات التي شنتها حماس في السابع، من تشرين/ أكتوبر عام 2023.

واقع الحال، أن الهجوم غير المحسوب بدقة على إيران، رغم الخسائر التي ألحقها بها، فإنه أسهم في تسعير العداء بصورة لم تكن مسبوقة، ضد إسرائيل. فقد توحد الإيرانيون، من المؤيدين والمعارضين، جميعاً، وطغى الشعور القومي على ما عداه من المشاعر، وتحقق إجماع إيراني، على حتمية المواجهة.

بالنسبة للجوار مع إيران، استنكرت القيادات العربية الرسمية، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، وقد اتصل وزير الخارجية السعودي، بنظيره الإيراني، وأبلغه تضامن المملكة، مع إيران واستنكارها للعدوان الإسرائيلي.

القرار الإسرائيلي، عكس جهلاً مفرطاً في السياسة وحقائق الجغرافيا. فمساحة إسرائيل، تقدر بـ 20770 كيلو متراً مربعاً، أما مساحة إيران، فهي 1648195 كيلو متراً مربعاً. معنى ذلك، أن مساحة إيران هي أكثر من 150 ضعف مساحة إسرائيل. إن ذلك يعني بالمنطق الحسابي، أن إسرائيل، ليس بمقدورها تدمير القوة الإيرانية بسهولة، حتى مع افتراض ضعف المقاومة الإيرانية. والعكس بالعكس، فإننا لو افترضنا أن قدرة إيران في التصدي لإسرائيل، وردّ عدوانها تكافئ واحد في المئة فقط، فإن التفوق سيكون لصالحها، وستكون خسارة محققة لإسرائيل.

أمريكا وغيرها من الدول الغربية المتحالفة مع إسرائيل، يمكن أن تساندها في هذه الحرب، لكنها ليس بمقدورها تغيير حقائق الجغرافيا، التي تصب في صالح طهران.

والأكثر غرابة، هو أن يتسبب نتنياهو ذاته، الحريص على تجريد إيران، من القوة النووية، في أن تكون إيران أكثر تصميماً على امتلاك ليس الطاقة النووية فحسب، بل الانتقال لامتلاك السلاح النووي، كونه بات الضمان الأكيد، لسلامتها، ومنحها قدرة غير محدودة على مواجهة العدوان. وبذلك نقلت إسرائيل بفعلتها، الطموح الإيراني، من امتلاك الطاقة النووية والامتثال، لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة النذرية، إلى إلغاء التفتيش على مرافقها النووية، وربما السعي الحثيث لامتلاك السلاح النووي.

في هذا السياق، أبلغت طهران، الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن مهمتها في هذه المرحلة، ليس الوفاء بالتزاماتها لتلك الوكالة بل التصدي للعدوان.

الوضع سيكون أكثر خطورة، حين تنفذ إيران تهديداتها، إذا ما ضربت القواعد الأمريكية بالمنطقة، وهو أمر إن حدث فإن نتائجه ستكون وبالاً على الأمن والسلم في العالم بأسره..

لقد أكدت أحداث الأيام القليلة المنصرمة، أن الهجوم الإسرائيلي على إيران، لم يكن نزهة قصيرة، وأن الرد الإيراني على ذلك العدوان، كان عنيفاً، وأن إسرائيل تمكنت فعلاً من إشعال فتيل الحرب، إلا أنها ليس بمقدورها، تحديد ساعة توقفها. لقد أطلقت إيران أكثر من مائتي صاروخ فرط صوتي، حتى ساعة كتابة هذا الحديث، كما استخدمت مئات المسيّرات، وليس هناك ما يشي بأننا على بوابة النهاية لهذه الحرب.

في هذا الصدد، تذكر مصادر روسية، أن نتنياهو توسل للقيادة الروسية، بأن تسهم في وقف الحرب، إلا أن الطلب الروسي قوبل بالرفض من قبل إيران. وربما لم تتدخل روسيا في هذا الأمر، وتركت نتنياهو يواجه مصيره.

هناك أيضاً، خشية من تنفيذ إيران تهديدها، بإغلاق مضيق هرمز، وإذا ما تحقق ذلك، فإن ذلك سيؤدي إلى خلق أزمة طاقة عالمية، ربما تكون أقسى من الأزمة التي عاناها العالم، في حرب تشرين/ أكتوبر عام 1973.

الخلاصة أننا فعلياً، بسبب العدوان الإسرائيلي على إيران، أمام مخاطر حقيقية تهدد المنطقة والعالم.