الحروب آفة الشعوب
كل الحروب أو معظمها إنما نشبت للاستيلاء والاستعمار والسيطرة والأخذ بالقوة، وربما للانتقام والأخذ بالثأر، لكن الأكثر بشاعة وفظاعة، والأطول أمدًا، تلك الصراعات المرتبطة بالانتماء والهوية والنزاعات العرقية أو العقائدية الدينية، لتبقى تأثيرات هذه الحروب على المجتمعات كبيرة ومتعددة الأوجه، تمتد لعدة أجيال، وتتطلب جهدًا مضنيًا وجبارًا لتلافي هذه التأثيرات والوصول إلى التعافي، فالعنف يولد العنف، والدماء تجر خلفها شلالات من الدماء.
وإثارة الحروب تجعل أشكالًا أخرى من العنف والانتهاكات أكثر قبولًا واحتمالًا. وهذا التأثير ليس فقط على المتقاتلين والمتحاربين، بل إنه يؤثر على جوانب عدة في الحياة الاجتماعية والإنسانية والسياسية والاقتصادية، وتسلك الأمم عبره أنفاقًا مظلمة تنتهي بتدمير كل شيء. يتجسد هذا الدمار والخراب في أن الصراعات تلتهم الحق في الحياة، وتقضي على الإنسانية.
الحرب لا تستثني أحدًا، لا بشرًا ولا حجرًا، لا صلبًا ولا لينًا، تقضي على الأخضر واليابس، ولا ينجو منها حتى أولئك الذين حادوا عنها، ولم تكن لهم فيها ناقة ولا جملًا.
أول حرب قبل التاريخ المدوّن حدثت في منطقة تقع ضمن حدود العالم العربي، وجرى التعرف عليها من خلال الحفريات التي وُجدت في منطقة «جبل الصحابة» الواقعة على حدود السودان الشمالية مع مصر. هذا الموقع الآن غارق تحت بحيرة ناصر الصناعية، وتم اكتشافه من قبل عالم الآثار الأميركي ”فريد ويندورف“ عام 1964. وفي أحدث تحليل للهياكل العظمية ال 61 التي عُثر عليها في الموقع، وُجد أنه من المرجح أن المنطقة لم تشهد فقط أول حرب حقيقية في تاريخ البشر، بل كانت أيضًا منطقة صراعات عنيفة متكررة. «المصدر: الجزيرة نت - التقارير العلمية».
وحرب البسوس التي دارت رحاها قبل أكثر من 1500 عام تركت لنا تاريخًا مليئًا بالترهات، ودروسًا وعبرًا، لكنها لم تجد عقولًا تعي، ولا آذانًا تصغي، ولا قلوبًا تخشى وتخشع.
ولم يكن قتل سراب ناقة البسوس خالة جساس قاتل كليب، إلا نارًا انطلقت شرارتها في مؤانسة ومواددة بين الجليلة وزوجها كليب، حين سألها: أفي العرب من هو أشجع مني؟ لترد عليه بمكايدة نسائية وغنج:
نعم، أخي جساس.
لتثور ثائرة كليب، وتشتعل روحه حنقًا وحقدًا وكرهًا لهذا الجساس، إلى أن قُتل، فقتلت الجليلة بهذا الرد الآلاف من قومها.
واختلف المفكرون والفلاسفة والساسة والمحللون حول نقطة انطلاقة النزاعات والحروب. منهم من أكد أن الطبيعة تقتضي أن يكون هناك صراع دائم، ويرى استحالة استمرار الجميع في سعادة أبدية، وأن سعادة الفرد ترتبط دائمًا بتعاسة وشقاء الآخر.
وليس هناك أتعس وأشقى من أولئك الذين عاصروا حروبًا، وعايشوها، واكتووا بنيرانها، وعانوا آثارها المدمرة.
الحرب بشعة لأبعد الحدود ومُهلكة، تملأ روحك بالخوف، الخوف بمعناه الواسع، ذلك الخوف المرعب، ذلك الذي يقتل فيك الحياة، حتى وإن كنت على قيد الحياة.. ترى حتفك رأي العين.. تتداعى فيها أحلامك حلمًا حلمًا. ولا تتفرق الأمم والشعوب، ويتمزق شملها، إلا حين يتسلط بعضها على بعض.
